الزوجة النموذجية في الشرع
- عبدالرحمن حسن عليمؤســس المنتدى
-
الجنسية :
عدد المشاركات : 16049
تقييم المشترين : 49
واتساب : 201289700022
فضيلة الشيخ محمد بن علي غانم
الحمد
لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل : ( ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة..) والصلاة والسلام
على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فمن
سنن الله تعالى الكونية الزواج، الذي هو سكن للزوجين كما بينه ربنا تبارك
وتعالى في كتابه العزيز بقوله : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً
لتسكنوا إليها..))
فجمع الله تبارك وتعالى بين الزوجين، وجعل بينهما علاقة متينة، لتستمر الحياة في طريق السعادة.
هذه العلاقة المتينة بين الزوجين ابتدأت بميثاق غليظ لأهميتها فقال الله تعالى :
((
وأخذن منكم ميثاقاً غليظا)) ثم وصف ربنا تبارك وتعالى العلاقة فيما بين
الزوجين باللباس تارة فقال سبحانه : (( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ))
وبالسكن تارة فقال سبحانه : (( وخلق منها زوجها ليسكن إليها )) وهذا
التقارب بين الزوجين يحتاج إلى أمر يقويه ويزيد منه فكان كما قال ربنا
تبارك وتعالى : ((..وجعل بينكم مودة ورحمة )) فبالرحمة والمحبة والمودة
والألفة بين الزوجين تقوى هذه العلاقة ، فكلما ازدادت هذه المودة كلما قويت
هذه الرابطة وازدادت صلابة .
ولربما شابت هذه العلاقة شائبة - فلا تستمر الحياة على حال واحد – فكانت هناك الحلول الإلهية و التي تنقي هذه الطريق من كل شائبة.
فمن
ذلك قوله تبارك وتعالى : (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في
المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)) وقوله تعالى :
((وإن
امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما
صلحا والصلح خير )) وغيرها من الحلول الإلهية العظيمة لهذه الرابطة
المقدسة.
ولقد أوصى النبي صلوات الله وسلامه عليه بالنساء، لمعرفته بأحوالهن وطبائعهن فتجده في مواضع كثيرة من السنة يوصي بالنساء ، فمن ذلك:
قوله
صلى الله عليه وسلم : (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ
خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ
فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ
أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) البخاري.
وفي
رواية : (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ
عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا
عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا)
مسلم.
ووصيته صلى الله عليه وسلم بقوله : (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) الترمذي.
إن
مثل هذه الوصايا الجامعة منه صلى الله عليه وسلم لحَريّة أن تديم الحياة
الزوجية على الوجه الذي يبحث عنه كل إنسان يبحث عن طريق السعادة.
إنه وصف رائع لحال المرأة ولطبيعتها، يقتصر على المرء الوقت والجهد في البحث عن مثل هذه الحقائق.
ولا ننس تعامله صلى الله عليه وسلم مع نسائه، فكان هو الزوج الأنموذج في تعامله مع زوجاته بالرغم من انشغاله بقيادة الأمة الإسلامية.
ومن هذه الأمثلة مسابقته صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها مرتين.
ومثل هذا كثير في السيرة النبوية . وليس هذا موضع بسطه.
وبالمقابل فقد بين سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم مواصفات الزوجة الأنموذج والتي تهفو إلى مثلها النفوس.
فبين
في البداية طريقة الاختيار الأمثل للزوجة فقال: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ
لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ
بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) البخاري.
وقد
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ
النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (الَّذِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ
إِذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ)
احمد.
وبين
صلوات الله وسلامه عليه عظم حق الزوج على زوجته فقال : (لَوْ كُنْتُ
آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ
أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا
تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا
وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ) ابن
ماجة.
وفي
رواية (لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلَحَ
لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ
لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ
بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ
حَقَّهُ) احمد.
وكذلك
شدد صلى الله عليه وسلم على الحرص على رضا الزوج بعد رضا الله تعالى فقال
صلى الله عليه وسلم : (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا
رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ) الترمذي.
فترضيه
بطاعة الله ولا ترضيه في معصية فقد قال صلى الله عليه وسلم : (لَا طَاعَةَ
فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) البخاري.
ثم
يصف النبي صلى الله عليه وسلم المرأة الأنموذج التي تحرص على دوام الحياة
الزوجية بقوله : (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العؤود
على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول والله لا
أذوق غمضا ) النسائي.
وفي
رواية : (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة ؟ الولود الودود التي إذا ظلمت
هي أو ُظلمت قالت : هذه يدي في يدك ، لا أذوق غمضا حتى ترضى) الطبراني.
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوجات على طاعة الأزواج في أمثلة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم : (إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّور) الترمذي.
وقد قال بعض أهل العلم أن المقصود بالحاجة في هذا الحديث هي ما تقضيه له من الحوائج العامة التي يحتاجها.
وعن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة أتته فقالت: ما حق الزوج
على امرأته؟ فقال: (لا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب، ولا تعطي من بيته
شيئاً إلا بإذنه فان فعلت ذلك كان له الأجر وعليها الوزر، ولا تصوم يوماً
تطوعا إلا بإذنه فان فعلت ذلك أثمت ولم تؤجر، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه
فان فعلت لعنتها الملائكة ملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى تتوب أو تراجع).
قيل: فان كان ظالما؟ قال: (وان كان ظالما) السنن الكبرى للبيهقي
وأما
فيما يتعلق بحق الزوج في الفراش فقد شدد النبي صلى الله عليه وسلم على عدم
امتناع الزوجة من فراش زوجها فقال: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ
إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا
الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) البخاري.
وفي
رواية (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ
إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ
سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا) مسلم.
لذلك بين أهل العلم استحباب أن تعرض المرأة نفسها على زوجها في كل ليلة من أجل أن تحصنه وتكفيه من النظر إلى غيرها.
ودعونا ندخل إلى أنموذج من النماذج الرائعة لنأخذ منه الثمار اليانعة.
إنها
خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، التي ملأت على النبي صلى
الله عليه وسلم حياته، فكانت الزوجة الأنموذج التي تهفو إلى مثلها النفوس
المؤمنة.
لقد
سمت بإيمانها و أخلاقها حتى جاءتها البشرى من الكريم الرحمن تبارك وتعالى
عن طريق أمين الوحي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ
طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ
مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ
لا صَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ) متفق عليه.
وَقَوْله
: ( بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ ) قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء الْمُرَاد بِهِ
قَصَب اللُّؤْلُؤ الْمُجَوَّف كَالْقَصْرِ الْمُنِيف قَالَ الْخَطَّابِيُّ
وَغَيْره : الْمُرَاد بِالْبَيْتِ هُنَا الْقَصْر .
قَالَ
السُّهَيْلِيّ : قَوْله : " مِنْ قَصَب " وَلَمْ يَقُلْ مِنْ لُؤْلُؤ
أَنَّ فِي لَفْظ الْقَصَب مُنَاسَبَة لِكَوْنِهَا أَحْرَزَتْ قَصَب
السَّبَق بِمُبَادَرَتِهَا إِلَى الْإِيمَان دُون غَيْرهَا ، وَلِذَا
وَقَعَتْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَة فِي جَمِيع هَذَا الْحَدِيث.أ هـ
وَفِي
الْقَصَب مُنَاسَبَة أُخْرَى مِنْ جِهَة اِسْتِوَاء أَكْثَر أَنَابِيبه ،
وَكَذَا كَانَ لِخَدِيجَة مِنْ الاسْتِوَاء مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا ، إِذْ
كَانَتْ حَرِيصَة عَلَى رِضَاهُ بِكُلِّ مُمْكِن ، وَلَمْ يَصْدُر مِنْهَا
مَا يُغْضِبهُ قَطُّ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهَا .
وَأَمَّا
قَوْله : " بِبَيْتٍ ": الْمُرَاد بِهِ بَيْت زَائِد عَلَى مَا أَعَدَّ
اللَّه لَهَا مِنْ ثَوَاب عَمَلهَا ، وَلِهَذَا قَالَ : " لَا نَصَب فِيهِ "
أَيْ لَمْ تَتْعَب بِسَبَبِهِ .
قَالَ
السُّهَيْلِيّ : لِذِكْرِ الْبَيْت مَعْنًى لَطِيف لأَنَّهَا كَانَتْ
رَبَّة بَيْت قَبْل الْمَبْعَث ثُمَّ صَارَتْ رَبَّة بَيْت فِي الإِسْلَام
مُنْفَرِدَة بِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْه الأَرْض فِي أَوَّل يَوْم
بَعْث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتُ إِسْلام إِلا
بَيْتهَا ، وَهِيَ فَضِيلَة مَا شَارَكَهَا فِيهَا أَيْضًا غَيْرهَا .
وَفِي ذِكْر الْبَيْت مَعْنًى آخَر ؛ لأَنَّ مَرْجِع أَهْل بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا.
قَوْله : ( لا صَخَب فِيهِ وَلا نَصَبَ )
الصَّخَب: الصِّيَاح وَالْمُنَازَعَة بِرَفْعِ الصَّوْت.
وَالنَّصَب :التَّعَب .
وَقَالَ
السُّهَيْلِيّ : مُنَاسَبَة نَفْي هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ - أَعْنِي
الْمُنَازَعَة وَالتَّعَب - أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا دَعَا إِلَى الإِسْلَام أَجَابَتْ خَدِيجَة طَوْعًا فَلَمْ
تُحْوِجْهُ إِلَى رَفْع صَوْت وَلا مُنَازَعَة وَلا تَعَب فِي ذَلِكَ ،
بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلّ نَصَب ، وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلّ وَحْشَة ،
وَهَوَّنَتْ عَلَيْهِ كُلّ عَسِير ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُون مَنْزِلهَا
الَّذِي بَشَّرَهَا بِهِ رَبّهَا بِالصِّفَةِ الْمُقَابِلَة لِفِعْلِهَا.
(فتح الباري شرح صحيح البخاري / بتصرف)
هذا
هو الأنموذج الذي ينبغي لكل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تقتدي به،
لتكون مع خديجة رضي الله عنها ومع أمثالها من الصالحات، ممن ابتغين رضا رب
الأرض والسموات.
وأسأل الله أن يوفق جميع المسلمات لما يحبه ويرضاه .
والحمد لله رب العالمين.
المصدر : منتدى أنوار الإيمان سماحة وبيان وانشراح للصدور
تابع كوت ستور